فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجمهور على ترك القول في الحدود، وأن البر في الإيمان لا يقع إلا بإتمام عدد الضربات.
ووصف الله تعالى نبيه بالصبر.
وقد قال: {مسني الضر} فدل على أن الشكوى إلى الله تعالى لا تنافي الوصف بالصبر.
وقد قال يعقوب: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله على أن أيوب عليه السلام طلب الشفاء خيفة على قومه أن يوسوس إليهم الشيطان أنه لو كان نبيًا لم يبتل، وتألفًا لقومه على الطاعة، وبلغ أمره في البلاء إلى أنه لم يبق منه إلا القلب واللسان.
ويروى أنه قال في مناجاته: إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي، ولم يتبع قلبي بصري، ولم يمنعني ما ملكت يميني، ولم آكل إلا ومعي يتيم، ولم أبت شبعانًا ولا كاسيًا ومعي جائع أو عريان، فكشف الله عنه.
{واذكر عبدنا إبراهيم} وقرأ ابن عباس وابن كثير وأهل مكة، عبدنا على الإفراد، وإبراهيم بدل منه، أو عطف بيان.
والجمهور على الجمع، وما بعده من الثلاثة بدل أو عطف بيان.
وقرأ الجمهور: {أولي الأيدي} بالياء.
قال ابن عباس ومجاهد: القوة في طاعة الله.
وقيل: إحسانهم في الدين وتقدمهم عند الله على عمل صدق، فهي كالأيدي، وهو قريب مما قبله.
وقيل: النعم التي أسداها الله إليهم من النبوة والمكانة.
وقيل {الأيدي} الجوارح المتصرفة في الخير، {الأبصار} الثاقبة فيه.
قال الزمخشري: لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت، فقيل في كل عمل: هذا مما عملت أيديهم، وإن كان عملًا لا يتأتى فيه المباشرة بالأيدي، أو كان العمال جذمًا لا أيدي لهم، وعلى ذلك ورد قوله عز وعلا: {أولي الأيدي والأبصار} يريد: أولي الأعمال والفكر؛ كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة، ولا يجاهدون في الله؛ ولا يفكرون أفكار ذوي الديانات، ولا يستبصرون في حكم الزمنى الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم، والمسلوبي العقول الذين لا استبصار بهم؛ وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله، ولا من المستبصرين في دين الله، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منها.
انتهى، وهو تكثير.
وقال أبو عبد الله الرازي: اليد آلة لأكثر الأعمال، والبصر آلة لأقوى الإدراكات، فحسن التعبير عن العمل باليد، وعن الإدراك بالبصر.
والنفس الناطقة لهو قوّتان: عاملة وعالمة، فأولي الأيدي والأبصار إشارة إلى هاتين الحالتين.
وقرأ عبد الله، والحسن، وعيسى، والأعمش: الأيد بغير ياء، فقيل: يراد الأيدي حذف الياء اجتزاء بالكسرة عنها، ولما كانت أل تعاقب التنوين، حذفت الياء معها، كما حذفت مع التنوين، وهذا تخريج لا يسوغ، لأن حذف هذه الياء مع وجود أل ذكره سيبويه في الضرائر.
وقيل: الأيدي: القوة في طاعة الله، والأبصار: عبارة عن البصائر التي يبصرون بها الحقائق وينظرون بنور الله تعالى.
وقال الزمخشري: وتفسير الأيدي من التأييد قلق غير متمكن، وإنما كان قلقًا عنده لعطف الأبصار عليه، ولا ينبغي أن يعلق، لأنه فسر أولي الأيدي والأبصار بقوله: يريد أولي الأعمال والفكر.
وقرئ: الأيادي، جمع الجمع، كأوطف وأواطف.
وقرأ أبو جعفر، وشيبة، والأعرج، ونافع، وهشام: بخالصة، بغير تنوين، أضيفت إلى ذكرى.
وقرأ باقي السبعة بالتنوين، و{ذكرى} بدل من {بخالصة}.
وقرأ الأعمش، وطلحة: بخالصتهم، و{أخلصناهم} جعلناهم لنا خالصين وخالصة، يحتمل، وهو الأظهر، أن يكون اسم فاعل به عن مزية أو رتبة أو خصلة خالصة لا شوب فيها، ويحتمل أن كون مصدرًا، كالعاقبة، فيكون قد حذف منه الفاعل، أي أخلصناهم بأن أخلصوا ذكرى الدار، فيكون ذكرى مفعولًا، أو بأن أخلصنا لهم ذكرى الدار، أو يكون الفاعل ذكرى، أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار، والدار في كل وجه من موضع نصب بذكرى، وذكرى مصدر، والدار دار الآخرة.
قال قتادة: المعنى بأن خلص لهم التذكير بالدار الآخرة، ودعا الناس إليها وحضهم عليها.
وقال مجاهد: خلص لهم ذكرهم الدار الآخرة، وخوفهم لها.
والعمل بحسب ذلك.
وقال ابن زيد: وهبنا لهم أفضل ما في الدار الآخرة، وأخلصناهم به، وأعطيناهم إياه.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بالدار دار الدنيا، على معنى ذكر الثناء والتعظيم من الناس، والحمد الباقي الذي هو الخلد المجازي، فتجيء الآية في معنى قوله: {لسان صدق} وقوله: {وتركنا عليه في الآخرين} انتهى.
وحكى الزمخشري هذا الاحتمال قولًا فقال: وقيل {ذكرى الدار} الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق. انتهى.
والباء في بخالصة باء السبب، أي بسبب هذه الخصلة وبأنهم من أهلها، ويعضده قراءة بخالصهم {وإنهم عندنا لمن المصطفين} أي المختارين من بين أبناء جنسهم، {الأخيار} جمع خير، وخير كميت وميت وأموات.
وتقدم الكلام في اليسع في سورة الأنعام، وذا الكفل في سورة الأنبياء.
وعندنا ظرف معمول لمحذوف دل عليه المصطفين، أي وأنهم مصطفون عندنا، أو معمول للمصطفين، وإن كان بأل، لأنهم يتسمحون في الظرف والمجرور ما لا يتسمحون في غيرهما، أو على التبيين، أي أعني عندنا، ولا يجوز أن يكون عندنا في موضع الخبر، ويعني بالعندية: المكانة، ولمن المصطفين: في موضع خبر ثان لوجود اللام، لا يجوز أن زيدًا قائم لمنطلق، {وكل} أي وكلهم، من الأخيار. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}.
{أُوْلِى الأَيْدِى} أي القوة.
{وَالأَبْصَارِ} أي البصائر.
{إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ} أي بفضيلة خالصة وهي ذكر الجنة والنار، أوبدعاء الناس إلى الجنة والهرب مِنَ النار. ويقال بسلامة القلب من ذكر الدارين؛ فلا يكون العمل على ملاحظة جزاء. ويقال تجردوا لنا بقلوبهم عن ذكري الدار، {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ}.
{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)} {وَذَا الْكِفْلِ} قيل كان تَكَفَّلَ لله بعمل رجلٍ صالحٍ مات في وقته، وقيل كَفَلَ مائةً من بني إسرائيل هربوا من أمير لهم ظالمٍ، فكان يُنْفِقُ عليهم.
ويقال كان اليسعُ وذو الكفل أَخَوَيْن. اهـ.

.تفسير الآيات (49- 54):

قوله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتم سبحانه ما أراد من ذكر هؤلاء الأصفياء عليهم السلام الذين عافاهم بصبرهم وعافى من دعوهم، فجعلهم سبحانه سبب الفلاح ولم يجعلهم سببًا للهلاك، قال مؤكدًا لشرفهم وشرف ما ذكروا به، حاثًا على إدامة تذكره وتأمله وتدبره للعمل به، مبينًا ما لهم في الآخرة على ما ذكر من أعمالهم وما لمن نكب عن طريقهم على سبيل التفصيل: {هذا} أي ما تلوناه عليك من أمورهم وأمور غيرهم {ذكر} أي شرف في الدنيا وموعظة من ذكر القرآن ذي الذكر، ثم عطف على قوله: {إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد} ما لأضدادهم، فقال مؤكدًا ردًا على من ينكر ذلك من كفار العرب وغيرهم: {وإن} ويجوز- وهو أحسن- أن يكون معطوفًا على {هذا} وتقديره: هذا ذكر للصابرين.
ولما أداهم إليه صبرهم في الدنيا وأن لهم على ما وهبناهم من الأعمال الصالحة التي مجمعها الصبر لمرجعًا حسنًا، ولكنه أظهر الوصف الذي أداهم إلى هذا المآب تعميمًا لكل من اقتدى بهم حثًا على الاقتداء فقال: {للمتقين} أي جميع العريقين في وصف التقوى الذين يلزمون لتقواهم الصراط المستقيم {لحسن مآب} أي مصير ومرجع ولما شوق سبحانه إلى هذا الجزاء أبدل منه أو بينه بقوله: {جنات عدن} أي إقامة في استمراء وطيب عيش ونمو وامتلاء وشرف أصل.
ولما كانت من الأعلام الغالبة، نصب عنها على الحال قوله: {مفتحة} أي تفتيحًا كثيرًا وبليغًا من غير أن يعانوا في فتحها شيئًا من نصب أو طلب أو تعب، وأشار جعل هذا الوصف مفردًا أن تفتحيها على كثرتها كان لهم في آن واحد حتى كأنها باب واحد {لهم} أي لا لغيرهم {الأبواب} التي لها والتي فيها فلا يلحقهم في دخولها ذل الحجاب ولا كلفة الاستئذان، تستقبلهم الملائكة بالتبجيل والإكرام.
ولما ذكر إقامتهم ويسر دخولهم، وصف حالهم إذ ذاك فقال: {متكئين فيها} أي ليس لهم شغل سوى النعيم ولا عليهم كلفة أصلًا.
ولما كان المتكىء لا يتم نعيمه إلا إن كان مخدومًا، دل على سؤددهم بقوله: {يدعون فيها} اي كلما أرادوا من غير مانع أصلًا ولا حاجة إلى قيام ولا قعود يترك به الاتكاء.
ولما كان أكلهم إنما هو للتفكه لا لحفظ الجسد من آفة قال: {بفاكهة كثيرة} فسمى جميع مآكلهم فاكهة، ولما كانت الفاكهة لا يمل منها، والشراب لا يؤخذ إلا بقدر الكفاية، وصفها دونه فقال: {وشراب}.
ولما كان الأكل والشرب داعيين إلى النساء لاسيما مع الراحة قال: {وعندهم} أي لهم من غير مفارقة أصلًا.
ولما كان سياق الامتنان مفهمًا كثرة الممتن به لاسيما إذا كان من العظيم، أتى بجمع القلة مريدًا به الكثرة لأنه أشهر وأوضح وأرشق من قواصر المشترك بين جمع قاصر وقوصرة- بالتشديد والتخفيف- لوعاء التمر فقال: {قاصرات} ولما كن على خلق واحد في العفة وكمال الجمال وحد فقال: {الطرف} أي طرفهن لعفتهن وطرف أزواجهن لحسنهن، ولما لم تنقص صيغة جمع القلة المعنى، لكونه في سياق المدح والامتنان، وكان يستعار للكثرة، أتى على نمط الفواصل بقوله: {أتراب} أي على سن واحد مع أزواجهن وهو الشباب، سمي القرين تربًا لمس التراب جلده وجلد قرينه في وقت واحد، قال البغوي: بنات ثلاث وثلاثين سنة، لأن ذلك ادعى للتآلف فإن التحاب بين الأقران أشد وأثبت.
ولما ذكر هذا النعيم لأهل الطاعة، وقدم ذلك العذاب لأهل المعصية قال: {هذا} أي الذي ذكر هنا والذي مضى {ما} وبني للمفعول اختصارًا وتحقيقًا للتحتم قوله: {توعدون} من الوعد والإيعاد، وقراءة الغيب على الأسلوب الماضي، ومن خاطب لفت الكلام للتلذيذ بالخطاب تنشيطًا لهممهم وإيقاظًا لقلوبهم {ليوم الحساب} أي ليكون في ذلك اليوم.
ولما كان هذا يصدق بأن يوجد ثم ينقطع كما هو المعهود من حال الدنيا، أخبر أنه على غير هذا المنوال فقال: {إن هذا} أي المشار إليه إشارة الحاضر الذي لا يغيب {لرزقنا} أي للرزق الذي يستحق الإضافة إلينا في مظهر العظمة، فلذلك كانت النتيجة: {ما له من نفاد} أي فناء وانقطاع، بل هو كالماء المتواصل في نبعه، كلما أخذ منه شيء أخلف في الحال بحيث إنه لا يميز المأخوذ من الموجود بوجه من الوجوه، فيكون في ذلك تلذيذ وتنعيم لأهل الجنة بكثرة ما عنده، وبمشاهدة ما كانوا يعتقدونه ويثبتونه لله تعالى من القدرة على الإعادة في كل وقت، جزاء وفاقًا عكس ما يأتي لأهل النار. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)} اعلم أن في قوله: {ذُكِرَ} وجهين الأول: أنه تعالى إنما شرح ذكر أحوال هؤلاء الأنبياء عليهم السلام لأجل أن يصبر محمد عليه السلام على تحمل سفاهة قومه فلما تمم بيان هذا الطريق وأراد أن يذكر عقيبه طريقًا آخر يوجب الصبر على سفاهة الجهال، وأراد أن يميز أحد البابين عن الآخر، لا جرم قال: {هذا ذِكْرُ} ثم شرع في تقرير الباب الثاني فقال: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} كما أن المصنف إذا تمم كلامًا قال هذا باب، ثم شرع في باب آخر، وإذا فرغ الكاتب من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر قال هذا وقد كان كيت وكيت، والدليل عليه أنما لما أتم ذكر أهل الجنة وأراد أن يردفه بذكر أهل النار قال: {هذا وَإِنَّ للطاغين} [ص: 55] الوجه الثاني: في التأويل، أن المراد هذا شرف وذكر جميل لهؤلاء الأنبياء عليهم السلام يذكرون به أبدًا، والأول هو الصحيح.
أما قوله: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لحُسْن مَئَابٍ}.
فاعلم أنه تعالى لما حكى عن كفار قريش سفاهتهم على النبي صلى الله عليه وسلم بأن وصفوه بأنه ساحر كذاب، وقالوا له على سبيل الاستهزاء {رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا} [ص: 16] فعند هذا أمر محمدًا بالصبر على تلك السفاهة، وبين أن ذلك الصبر لازم من وجهين الأول: أنه تعالى لما بين أن الأنبياء المتقدمين صبروا على المكاره والشدائد، فيجب عليك أن تقتدي بهم في هذا المعنى الثاني: أنه تعالى بين في هذه الآية أن من أطاع الله كان له من الثواب كذا وكذا، ومن خالفه كان له من العقاب كذا وكذا، وكل ذلك يوجب الصبر على تكاليف الله تعالى، وهذا نظم حسن وترتيب لطيف.
أما قوله تعالى: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لحُسْن مَئَابٍ} المآب المرجع.
واحتج القائلون بقدم الأرواح بهذه الآية، وبكل آية تشتمل على لفظ الرجوع ووجه الاستدلال، أن لفظ الرجوع إنما يصدق لو كانت هذه الأرواح موجودة قبل الأجساد، وكانت في حضرة جلال الله ثم تعلقت بالأبدان، فعند انفصالها عن الأبدان يسمى ذلك رجوعًا وجوابه: أن هذا إن دل فإنما يدل على أن الأرواح كانت موجودة قبل الأبدان، ولا يدل على قدم الأرواح.
ثم قال تعالى: {جنات عَدْنٍ} وهو بدل من قوله: {لَحُسْنَ مَئَابٍ} ثم قال: {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
ذكروا في تأويل هذا اللفظ وجوهًا الأول: قال الفراء: معناه مفتحة لهم أبوابها، والعرب تجعل الألف واللام خلفًا من الإضافة، تقول العرب: مررت برجل حسن الوجه، فالألف واللام في الوجه بدل من الإضافة والثاني: قال الزجاج: المعنى: مفتحة لهم الأبواب منها الثالث: قال صاحب الكشاف {الأبواب} بدل من الضمير، وتقديره مفتحة هي الأبواب، كقولك ضرب زيد اليد والرجل، وهو من بدل الاشتمال.
المسألة الثانية:
قرىء: {جنات عَدْنٍ} مفتحة بالرفع على تقدير أن يكون قوله: {جنات عَدْنٍ} مبتدأ و{مُّفَتَّحَةً} خبره، وكلاهما خبر مبتدأ محذوف، أي هو جنات عدن مفتحة لهم.
المسألة الثالثة:
اعلم أنه تعالى وصف من أحوال أهل الجنة في هذه الآية أشياء الأول: أحوال مساكنهم، فقوله: {جنات عَدْنٍ} يدل على أمرين أحدهما: كونها جنات وبساتين والثاني: كونها دائمة آمنة من الانقضاء.
وفي قوله: {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} وجوه الأول: أن يكون المعنى أن الملائكة الموكلين بالجنان إذا رأوا صاحب الجنة فتحوا له أبوابها وحيوه بالسلام، فيدخل كذلك محفوفًا بالملائكة على أعز حال وأجمل هيئة، قال تعالى: {حتى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سلام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خالدين} [الزمر: 73].
الثاني: أن تلك الأبواب كلما أرادوا انفتاحها انفتحت لهم، وكلما أرادوا انغلاقها انغلقت لهم الثالث: المراد من هذا الفتح، وصف تلك المساكن بالسعة، ومسافرة العيون فيها، ومشاهدة الأحوال اللذيذة الطيبة.
ثم قال تعالى: {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا} يدعون فيها، وفيه مباحث:
البحث الأول: أنه تعالى ذكر في هذه الآية كونهم متكئين في الجنة، وذكر في سائر الآيات كيفية ذلك الاتكاء، فقال في آية: {عَلَى الأرائك مُتَّكِئُونَ} [يس: 56] وقال في آية أخرى: {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ} [الرحمن: 76].
البحث الثاني: قوله: {متكئين فيها} حال قدمت على العامل فيها وهو قوله: {يَدْعُونَ فِيهَا} والمعنى يدعون في الجنات متكئين فيها ثم قال: {بفاكهة كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} والمعنى بألوان الفاكهة وألوان الشراب، والتقدير بفاكهة كثيرة وشراب كثير، والسبب في ذكر هذا المعنى أن ديار العرب حارة قليلة الفواكه والأشربة، فرغبهم الله تعالى فيه.
ولما بين تعالى أمر المسكن وأمر المأكول والمشروب ذكر عقيبه أمر المنكوح، فقال: {وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف} وقد سبق تفسيره في سورة والصافات، وبالجملة فالمعنى كونهن قاصرات عن غيرهم مقصورات القلب على محبتهم، وقوله: {أَتْرَابٌ} أي على سن واحد، ويحتمل كون الجواري أترابًا، ويحتمل كونهن أترابًا للأزواج، قال القفال: والسبب في اعتبار هذه الصفة، أنهن لما تشابهن في الصفة والسن والحلية كان الميل إليهن على السوية، وذلك يقتضي عدم الغيرة.
ثم قال تعالى: {هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب} يعني أن الله تعالى وعد المتقين بالثواب الموصوف بهذه الصفة، ثم إنه تعالى أخبر عن دوام الثواب فقال: {إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَالَهُ مِن نَّفَادٍ}. اهـ.